اشهر ثلاث احاديث حوارية في الكون
السلام عليكم ورحمة اللة وبركاتة
اولا حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة
هذا الحوار بدأ من اللحظة الأولى التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة ، ويقوم بدور الخلافة على الأرض ، فأراد أن يخلق الإنسان لكي تناط به هذه المهمة الصعبة ، فقال سبحانه:
"وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "
سورة البقرة { الآيات 30- 33 }.
في هذا الشكل الحواري الذي يدور بين الله والملائكة ، يتضح لنا أن الملائكة لديها معلومات عن هذا المخلوق الجديد الذي لم تعرفه من قبل ، معلومات غير صحيحة ، وكانت هذه المعلومات مبنية على حياة الجن الذي كان يسكن الأرض قبل الإنسان ، فاعترضت الملائكة وهي معمّمه لخطأ الجن في القتل وسفك الدم والإفساد ، فكان الحوار يتواصل من قبل الله ، ويخلق آدم ، ثم يعلمه الله أسماء الأشياء والتي قال فيه العلماء قد تكون بمعنى اللغات ، وبمعنى آخر هو أسماء الأشياء وصفاتها ومسمياتها ، وهنا..يتضح للملائكة أن هذا المخلوق الجديد _ الإنسان _ يختلف عن المخلوق السابق الذي كان يسكن الأرض ، لذلك ردت الملائكة بعد تصحيح المعلومات لديها بالقول (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم) .
الثاني حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء
ونقصد هنا في هذا العنوان ، حوار الله مع الأنبياء والرسل الذين كان الله يرسلهم لاقوامهم ، سواء كان معهم كتاب سماوي ، أو بعض الصحف والألواح ، ولكن هنا في معرض الشكل الحواري بين الله وبين أحد الرسل سيكون هدفه إظهار مقدرة الله تعالى الفاعلة في كل شيء، وسيكون محط الدراسة هو "العزير عليه السلام "، وسنرى كيف هذا النبي _ بضعفه الإنساني _ يسأل عن بعض الأمور التي قد تكون غائبة أو غير حاضرة في تفكيره حينئذ...والقرءان سجل هذا الحوار فقال سبحانه وتعالى: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي الأرض بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وأنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وأنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير " e سورة البقرة { الآية 259 }.
المعلومات التي لدى العزير ، هو الاستغراب عن إحياء قرية بأكملها قد فنيت عن الأرض ، ومات أهلها جميعاً وأصبحوا من سكان القبور ، هنا كان العقل الإلهي ، التعليم من خلال التجربة والممارسة .. أن أماته الله ، ثم كان السؤال كم لبثت؟ فقال العزير : يوماً أو بعض يوم ، والمعلومة هنا عند العزير عليه السلام هي معلومة خاطئة ، فكان الرد الإلهي ؛ بل لبثت مائة عام ، ثم اتبع الشواهد التي تؤكد هذه الفترة من الموات.
الثالث حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس
ويعتبر هذا النموذج من اخطر الاشكال الحوارية في القرءان الكريم ، وفي مفهوم ولغة الحوار بين الاضاد على إطلاقها ، حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى رمز الحق المطلق والخير المطلق فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق ؛ ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع فلسفة مهمة لبني الإنسان ، تقضي إلى إمكانية الحوار والتفاهم بالطريقة الحوارية مع الآخر ، أو إقامة الحجة عليه لو كان يمثل النقيض لفلسفة الخير التي يحملها الدعاة .. ولنترك للقرءان أن يضع بين أيدينا جو هذا الحوار : " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال مامنعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال أخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين "e سورة الأعراف { الآيات 11 - 18 }.
ربما هذا الحوار الأطول بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس عليه لعنة الله ، والحوار ذاته يتكرر في مواطن مختلفة في القرءان الكريم لكنه يكون بصورة اقل وأقصر مما هو في سورة الأعراف .
والشاهد القوي في الحوار أن إبليس يدعي انه افضل من الإنسان ، لذاك رفض أن يسجد لآدم عليه السلام ، مع العلم أن السجود هنا هو سجود تحية وليس عبادة ، ولكن روح المكابرة في القرءان الكريم التي كانت لدى إبليس جعلته يصّر على كبريائه في هذا النص ، ولكن في نصوص السنة المختلفة والتي تفسر القرءان الكريم كثير من الأحيان ، أنه جاء في معنى الحديث الشريف أن إبليس يقول : ( ويلي.!.أمر ابن آدم بالسجود فسجد ، وأمرت بالسجود فعصيت..! ) .. وهذا يعني إقرار بعدم صوابية رؤيته عن أفضليته على آدم . ولكن روح الكبرياء التي عنده هي التي جعلته لا يمتثل لامر السجود.
ومن هذا الحوار بين الخير والشر ، يمكن أن يكون هناك لفته مهمة في حمل دعوة السماء إلى الناس حتى الزعماء منهم أو الطغاة ، وهذه اللفتة تتمثل في انه يمكن للدعاة أن يحملوا هذا الدين مبشرين به وليس منفرين ، ويطرقوا به أبواب الحكام الظلمة ويقيموا عليهم الحجة والبرهان كما فعل موسى عليه السلام وأخيه مع فرعون فقال سبحانه وتعالى في هذا السياق : " اذهب أنت واخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى * اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً لينا * لعله يتذكر أو يخشى ..." . سورة طه { الآيات 42 - 45 } .